سورة القصص - تفسير تفسير الشعراوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (القصص)


        


{قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ(28)}
أي: أنا بالخيار، أقضي ثمانية، أم عشرة {فَلاَ عُدْوَانَ عَلَيَّ والله على مَا نَقُولُ وَكِيلٌ} [القصص: 28].
وقد أ خذ العلماء حُكْماً جديداً من هذه الآية، وهو أن المطلوب عند عقد الزواج تسمية المهر، ولا يشترط قبضه عند العقد، فلَك أنْ تُؤجله كله وتجعله مُؤخّراً، او تُؤجل بعضه، وتدفع بعضه.
والمهر ثمن بُضْع المرأة، بحيث إذا ماتت ذهب إلى تركتها، وإذا مات الزوج يُؤخَذ من تركته، بدليل أن شعيباً عليه السلام استأجر موسى ثماني أو عشر سنين، وجعلها مهراً لابنته.
ونلحظ أن السياق هنا لم يذكر شيئاً عن الطعام، مع أن موسى عليه السلام كان جائعاً ودعا ربه: {رَبِّ إِنِّي لِمَآ أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} [القصص: 24].
لكن يروي أهل السير أن شعيباً عليه السلام قدّم لموسى طعاماً، وطلب منه أن يأكل، فقال: أستغفر الله، يعني: أنْ آكل من طعام. كأنه مقابل ما سقى للبنتين الغنم؛ لذلك قال: إنَّا أهل بيت لا نبيع عمل الآخرة بملء الأرض ذهباً، فقال شعيب: كُلْ، فإنَّا أهل بيت نطعم الطعام ونقري الضيف، قال: الآن نأكل.
ثم يقول الحق سبحانه: {فَلَمَّا قضى مُوسَى الأجل}


{فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ(29)}
قوله تعالى: {فَلَمَّا قضى مُوسَى الأجل} [القصص: 29] أي: الذي اتفق عليه مع شعيب عليه السلام {وَسَارَ بِأَهْلِهِ} [القصص: 29] قلنا: إن الأهل تُطلق على الزوجة، وفي لغتنا العامية نقول: معي أهلي أو الجماعة ونقصد الزوجة؛ لذلك لأن الزوجة تقضي لزوجها من المصالح ما لا يقدر عليه إلا جماعة، بل وتزيد على الجماعة بشيء خاص لا يؤديه عنها غيرها، وهو مسألة المعاشرة؛ لذلك حَلَّتْ محلَّ جماعة.
ومعنى {آنَسَ} [القصص: 29] يعني: أبصر ورأى أو أحسَّ بشيء من الأُنْس، {الطور} [القصص: 29] اسم الجبل {قَالَ لأَهْلِهِ امكثوا} [القصص: 29] انتظروا {إني آنَسْتُ نَاراً} [القصص: 29] يخبرها بوجود النار، وهذا يعني أنها لم تَرَها كما رآها هو.
وهذا دليل على أنها ليست ناراً مادية يُوقِدها بشر، وإلا لاستوى أهله معه في رؤيتها، فهذا إذن أمر خاص به {لعلي آتِيكُمْ مِّنْهَا بِخَبَرٍ} [القصص: 29] يعني: رجاءَ أنْ أجد مَنْ يخبرنا عن الطريق، ويهدينا إلى أين نتوجه {أَوْ جَذْوَةٍ مِّنَ النار لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ} [القصص: 29].
الجذوة: قطعة من نار متوهجة ليس لها لَهَب، ومعنى تصطلون أي: تستدفئون بها، وفي موضع آخر قال: {بِشِهَابٍ قَبَسٍ...} [النمل: 7] يعني: شعلة لها لسان ولهب، فمأربهم- إذن- على هذه الحال أمران: مَنْ يخبرهم بالطريق حيث تاهَتْ بهم الخُطَى في مكان لا يعرفونه، ثم جذوة نار يستدفئون بها من البرد.
وفي موضع آخر لهذه القصة لم يذكر قوله تعالى: {قَالَ لأَهْلِهِ} [القصص: 29] وهذا من المآخذ التي يأخذها السطحيون على أسلوب القرآن، لكن بتأمل الموقف نرى أنه أخذ صورة المحاورة بين موسى وأهله.
فزوجة وزوجها ضَمَّهما الظلام في مكان موحش، لا يعرفون به شيئاً، ولا يهتدون إلى طريق، والجو شديد البرودة، فمن الطبيعي حين يقول لها: إني رأيت ناراً سأذهب لأقتبس منها أن تقول له: كيف تتركني وحدي في هذا المكان؟ فربما تضلّ أنت أو أضلّ أنا، فيقول لها {امكثوا...} [القصص: 29] إذن: لابد أن هذه العبارة تكررتْ على صيغتين كما حكاها القرآن الكريم.
كذلك في: {سَآتِيكُمْ...} [النمل: 7] وفي مرة أخرى {لعلي آتِيكُمْ...} [القصص: 29] قالوا: لأنه لما رأى النار قال: {سَآتِيكُمْ....} [النمل: 7] على وجه اليقين، لكن لما راجع نفسه، فربما طفئت قبل أن يصل إليها استدراك، فقال {لعلي آتِيكُمْ..} [القصص: 29] على سبيل رجاء غير المتيقن. {فَلَمَّآ أَتَاهَا نُودِيَ مِن شَاطِىءِ الوادي...}.


{فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ(30)}
وكأن الحق تبارك وتعالى يريد أنْ يعطينا خريطة تفصيلية للمكان، فهناك مَنْ قال: من جانب الطور، والجانب الأيمن من الطور. وهنا: {مِن شَاطِىءِ الوادي الأيمن فِي البقعة المباركة مِنَ الشجرة...} [القصص: 30].
ومضمون النداء: {ياموسى إني أَنَا الله رَبُّ العالمين} [القصص: 30] سمع موسى هذا النداء يأتيه من كل نواحيه، وينساب في كل اتجاه؛ لأن الله تعالى لا تحيزه جهة؛ لذلك لا تقُلْ: من أين يأتي الصوت؟ وليس له إِلْفٌ بأن يخاطبه الرب- تبارك وتعالى.
ومع النداء يرى النار تشتعل في فرع من الشجرة، النار تزداد اشتعالاً، والشجرة تزداد خضرة، فلا النار تحرق الشجرة بحرارتها، ولا الشجرة تُطفيء النار برطوبتها. فهي- إذن- مسألة عجيبة يحَارُ فيها الفكر، فهل يستقبل كُلَّ هذه العجائب بسهولة أم لابد له من مراجعة؟
ثم يقول الحق سبحانه: {وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ...}.

6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13